موضوع: الآية الخامسة عشرة من موعدنا اليومي "تأملات في آية قرأنية" السبت 04 أغسطس 2012, 23:53
الآية الخامسة عشرة من موعدنا اليومي "تأملات في آية قرأنية"
قال الله سبحانه و تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } الآية ﴿٤٤﴾ من سورة الإسراء،
التسبيح لغة هو الذكر بالتمجيد والتقديس مع التنزيه عن كل نقص, وعلى ذلك فإن تسبيح الله( تعالى) يقصد به ذكره الدائم, وتمجيده, وتقديسه, وإخلاص العبادة له وحده( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد), وتنـزيهه( تعالى) عن كل وصف لا يليق بجلاله.
والفعل( سبح) بمشتقاته المختلفة جاء سبعا وثمانين(87) مرة في القرآن الكريم بمعنى : الذكر السريع المتكرر لله( تعالى) بأسمائه الحسنى, وصفاته العليا, في كل وقت, وعلى كل حال, وإن كان التسبيح قد جعل عاما في مختلف العبادات: قولا كانت أو فعلا أو نية, إلا أنه قد خصص بالذكر اللفظي لأسماء الله وصفاته التي أنزلها في محكم كتابه,أو على لسان خاتم أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام
و(السبّوح) من صفات الله الحسنى ومعناه' الجامع لصفات الكمال المطلق, المنزّه عن كل نقص', والتعبير التعبدي( سبحان الله) معناه التنزيه لله, وهو منصوب على صيغة المصدر كأن قائله يقول: أبرئ الله( تعالى) من السوء براءة قاطعة, وأنفي كل ما لا يليق بجلاله وعظمته؛ من غير تشبيه, ولا تمثيل, ولا تأويل, ولا تحريف, ولا تعطيل,وأثبت لجلاله ما وصف به ذاته العلّية, وأثبته له خاتم أنبيائه ورسله من صفات الكمال المطلق.
وهي أيضا التطوع من العبادة والذكر, يقال: قضيت( سبحتي) أي أديت نافلتي من صلاة, أو زكاة أو صيام, أو حج, أو دعاء, أو توحيد لله( تعالى) توحيد الألوهية, والربوبية, وتوحيد الأسماء والصفات, وكل ذلك من تسبيح الله( جل جلاله), أي : تنزيهه عن كل وصف لا يليق بجلاله من نحو الإدعاء الباطل بنسبة الجن أو الصاحبة أو الولد إليه,أو الاعتقاد الخاطئ بوجود شريك له في ملكه, أو منازع له في سلطانه, أو مثيل له في ألوهيته وربوبيته, ووحدانيته, أو في جمعه لصفات الكمال المطلق, أو في طلاقة القدرة التي لا تحدها حدود, والاستعلاء فوق كل من المادة والطاقة,وكل من حدود المكان والزمان, وقوانين الموت والفناء, فكل ما عدا الله( سبحانه وتعالى) هو مخلوق فان, تشكله المادة أو الطاقة أو كلاهما, ويحده المكان والزمان, وعلى ذلك فلا يمكن لأحد من خلق الله( تعالى) أن يشبهه, أو أن يقترب من صفاته: '... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الآية ﴿١١﴾ من سورة الشورى
' يقول تعالى تقدسه السماوات السبع والأرض ومـن فيهن, أي: من المخلوقات, وتنزهه وتعظمه وتجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون, وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته.... كما قال تعالى:
{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا } الآية﴿٩٠﴾ و ﴿٩١﴾ من سورة مريم
وقوله:" وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ " أي: وما من شئ من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله,
" وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ", أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس, لأنها بخلاف لغتكم, وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد, وهذا أشهر القولين,
كما ثبت في صحيح البخاري , وفي حديث أبي ذر: أن النبي صلي الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات, فسمع لهن تسبيح كطنين النحل, وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان, رضي الله عنهم, وهو حديث مشهور في المسانيد,
وقال بعض السلف: إن صرير الباب تسبيحه, وخرير الماء تسبيحه... وقال آخرون: إنما يسبح ما كان فيه روح, يعنون من حيوان أو نبات.....'.
وجاء في' الظلال' ما نصّه:
'... وهو تعبير تنبض به كل ذرة في هذا الكون الكبير, وتنتفض روحا حية تسبح الله, فإذا الكون كله حركة وحياة, وإذا الوجود كله تسبيحة واحدة شجية رخية, ترتفع في جلال إلى الخالق الواحد الكبير المتعال,
وإنه لمشهد كوني فريد, حين يتصور القلب كل حصاة وكل حجر, كل حبة وكل ورقة, كل زهرة وكل ثمرة, وكل نبتة وكل شجرة, كل حشرة وكل زاحفة, كل حيوان وكل إنسان, كل دابة علي الأرض وكل سابحة في الماء أو الهواء.. ومعها سكان السماء... كلها تسبّح الله وتتوجه إليه في علاه.
وإن الوجدان ليرتعش وهو يستشعر الحياة تدب في كل ما حوله مما يراه ومما لا يراه, وكلما همت يده أن تلمس شيئا, وكلما همت رجله أن تطأ شيئا.... سمعه يسبّح الله, وينبض بالحياة: " وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ " يسبّح بطريقته ولغته,
" وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ " لا تفقهونه لأنكم محجوبون بصفاقة الطين, ولأنكم لم تتسمعوا بقلوبكم, ولم توجهوها إلي أسرار الوجود الخفية, وإلى النواميس التي تنجذب إليها كل ذرة في هذا الكون الكبير, وتتوجه بها إلي خالق النواميس, ومدبر هذا الكون الكبير,
وحين تشف الروح وتصفو فتتسمع لكل متحرك أو ساكن وهو ينبض بالروح, ويتوجه بالتسبيح, فإنها تتهيأ للاتصال بالملأ الأعلى, وتدرك من أسرار هذا الوجود مالا يدركه الغافلون, الذين تحول صفاقة الطين بين قلوبهم وبين الحياة الخفية السارية في ضمير هذا الوجود, النابضة في كل متحرك وساكن, وفي كل شئ في هذا الوجود'.
وقد وقف العلماء أمام هذه الآية وقالوا: أي تسبيح دلالة علي عظمة التكوين, وهندسة البناء, وحكمة الخلق, وهذا يلفتنا إلى أن الله تعالى منزه ومتعال وقادر, ولكنهم فهموا التسبيح على أنه تسبيح دلالة فقط; لأنهم لم يسمعوا هذا التسبيح ولم يفهموه, وقد أخرجنا الحق سبحانه وتعالى من هذه المسألة بقوله:
" وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ "
إذن: يوجد تسبيح دلالة فعلا, لكن ليس هو المقصود, فالمقصود هنا هو التسبيح الحقيقي كل بلغته فقوله تعالي ولكن لا تفقهون تسبيحهم) يدل علي أنه تسبيح فوق تسبيح الدلالة الـذي آمن بمقتضاه المؤمنون, إنه تسبيح حقيقي ذاتي ينشأ بلغة كل جنس من الأجناس, وإذا كنا لا نفقه هذا التسبيح, فقد قال تعالى:
".. كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ... " الآية ﴿٤١﴾ من سورة النور إذن: كل شئ في الوجود علم كيف يصلي لله, وكيف يسبح لله, وفي القرآن آيات تدل بمقالها ورمزيتها على أن كل عالم في الوجود له لغة يتفاهم بها في ذاته, وقد يتسامي الجنس الأعلي ليفهم عن الجنس الأدني لغته, فكيف نستبعد وجود هذه اللغة لمجرد أننا لا تفهمها ؟...'.
يقرر النص القرآني الكريم الذي نحن بصدده أن الخلق بمختلف مستوياته وهيئاته وصوره يسبّح الله( تعالى) تسبيحا لا يفهمه من الناس إلاّ من أعطاه الله ( سبحانه وتعالى) القدرة على ذلك .
الآية الخامسة عشرة من موعدنا اليومي "تأملات في آية قرأنية"