موضوع: الآية الثانية عشرة من موعدنا اليومي "تأملات في آية قرأنية" الخميس 02 أغسطس 2012, 00:47
الآية الثانية عشرة من موعدنا اليومي "تأملات في آية قرأنية"
قال الله سبحانه و تعالى : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } الآية ﴿٦﴾ من سورة هود
كل ما تحرّك على الأرض فهو دابّة من إنسان وحيوان وزاحفة وهامّة . ما من دابة من هذه الدواب التي تملأ وجه البسيطة , وتكمن في باطنها , وتخفى في دروبها ومساربها . ما من دابة من هذه الدواب التي لا يحيط بها حصر ولا يكاد يلم بها إحصاء . . إلا وعند الله علمها . وعليه رزقها , وهو يعلم أين تستقر وأين تكمن . من أين تجيء وأين تذهب . .
وكلّ منها . كل من أفرادها مقيّد في هذا العلم الدقيق . إنها صورة مفصلة للعلم الإلهي في حالة تعلقه بالمخلوقات , يرتجف لها كيان الإنسان حين يحاول تصورها بخياله الإنساني فلا يطيق .
ويزيد على مجرد العلم , تقدير الرزق لكل فرد من أفراد هذا الحشد الذي يعجز عن تصوره الخيال . وهذه درجة أخرى , الخيال البشري عنها أعجز إلا بإلهام من الله . . وقد أوجب الله - سبحانه و تعالى - على نفسه مختارا أن يرزق هذا الحشد الهائل الذي يدب على هذه الأرض .
فأودع هذه الأرض القدرة على تلبية حاجات هذه المخلوقات جميعا , وأودع هذه المخلوقات القدرة على الحصول على رزقها من هذا المودع في الأرض في صورة من صوره . ساذجا خامة , أو منتجا بالزرع , أو مصنوعا , أو مركبا . . إلى آخر الصور المتجددة لإنتاج الرزق وإعداده .
وهذه هي الصورة اللائقة بحكمة الله ورحمته في خلق الكون على الصورة التي خلقه بها ; وخلق هذه المخلوقات بالاستعدادات والمقدرات التي أوتيتها .
وبخاصة الإنسان . الذي استخلف في الأرض , وأوتي القدرة على التحليل والتركيب , وعلى الإنتاج والإنماء , وعلى تعديل وجه الأرض , وعلى تطوير أوضاع الحياة ; بينما هو يسعى لتحصيل الرزق , الذي لا يخلقه هو خلقا , وإنما ينشئه مما هو مذخور في هذا الكون من قوى وطاقات أودعها الله
وليس المقصود أن هناك رزقا فرديا مقدرا لا يأتي بالسعي , ولا يتأخر بالقعود , ولا يضيع بالسلبية والكسل , كما يعتقد بعض الناس !
وإلا فأين الأسباب التي أمر الله بالأخذ بها , وجعلها جزءا من نواميسه ؟ وأين حكمة الله في إعطاء المخلوقات هذه المقدرات والطاقات ؟ وكيف تترقى الحياة في مدارج الكمال المقدر لها في علم الله , وقد استخلف عليها الإنسان ليؤدي دوره في هذا المجال ؟
إن لكل مخلوق رزقا . هذا حق . وهذا الرزق مذخور في هذا الكون . مقدر من الله في سننه التي ترتب النتاج على الجهد . فلا يقعدن أحد عن السعي وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة . ولكن السماء والأرض تزخران بالأرزاق الكافية لجميع المخلوقات . حين تطلبها هذه المخلوقات حسب سنة الله التي لا تحابي أحدا , ولا تتخلف أو تحيد . إنما هو كسب طيب وكسب خبيث , وكلاهما يحصل من عمل وجهد . إلا أنه يختلف في النوع والوصف . وتختلف عاقبة المتاع بهذا وذاك .
وهاته الآية الكريمة هي تعريف الناس بربهم الحق الذي عليهم أن يدينوا له وحده . أي أن يعبدوه وحده . فهو العالم المحيط علمه بكل خلقه , وهو الرازق الذي لا يترك أحدا من رزقه . وهذه المعرفة ضرورية لعقد الصلة بين البشر وخالقهم ; ولتعبيد البشر للخالق الرازق العليم المحيط .
الآية الثانية عشرة من موعدنا اليومي "تأملات في آية قرأنية"