موضوع: رد: دورة المــشتـاقـيـن إلـى رمــضـــان -16- //♦ الـشّـوق إلــى مـقــام الــشّــكـر الخميس 27 يونيو 2013, 00:25
إنّ شكر الله تعالى حقّ شكره على عظيم نعمه وخيره لا تكون فقط بتحريك اللسان، بل حقيقة الشكر لله سبحانه تنبع من علم العبد، الفقير في كلّ شيء، بأنّه بحاجة مستمرّة لتوالي النعم عليه من الغنيّ في كلّ شيء، وأن يقطع قطع اليقين بأنّ كلّ ما يتقوّم به هذا العبد الفقير من مقوّمات الحياة: المأكل والمشرب والملبس، قيامه وقعوده، نومه واستيقاظه.. إلخ، هي من مالك السموات والأرضين ربِّ العالمين.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى اشكرني حقّ شكري.
فقال عليه السلام: "يا ربّ كيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به عليّ"؟!
فقال (عزَّ وجلَّ): يا موسى شكرتني حقّ شكري حين علمت أنّ ذلك منّي"11.
وعنه عليه السلام: "من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها"12.
كما أنّه لا بُدَّ أن يعلم هذا العبد الفقير أنّ تمام الشكر لا بُدَّ أن يقترن بالاعتراف بالتقصير والعجز في القدرة على بلوغ أدنى درجات الشكر لله سبحانه، والعجز حتّى عن الثناء عليه برغم غناه عن شكرنا وثنائنا، قال الإمام الصادق عليه السلام: "تمام الشكر اعتراف لسان السرّ خاضعاً لله تعالى بالعجز عن بلوغ أدنى شكره، لأنّ التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها"13.
هذا كلّه في جانب المعرفة القلبية، أمّا في جانب الممارسة العملية لكي يكون العبد شكوراً لله تعالى، ولكي لا يُبتلى ببلاء النفاق، فإنّه لا بدَّ أن يترجم شكره عملياً ويظهره في سلوكه من خلال تجنّب محارم الله، وعدم اقتراف المعاصي والذنوب، قال الإمام علي عليه السلام: "شُكر المؤمن يظهر في عمله، وشُكر المنافق لا يتجاوز لسانه"14.
سجدة الشكر
إنّ من أكثر حالات القرب المعنوي من الله تعالى وأعظمها- كما يُروى- حينما يضع العبد خدّه على التراب ساجداً لله باكياً راجياً جزيل فضله ورحمته، يقول الإمام الباقر عليه السلام: "أقرب ما يكون العبد من الربّ عزّ وجلّ وهو ساجدٌ باكٍ"45.
هذا وقد أجمع العلماء على استحباب السجود لله تعالى عند تجدُّد النعم أو عند دفع البلاء، والأفضل من هذه السجدة ما كان بعد الصلاة شُكراً لتوفيق الله تعالى لأدائها. رويَ عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إنّ علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر لله عزَّ وجلَّ نعمة عليه إلّا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عزَّ وجلَّ فيها سجود إلّا سجد، ولا دفع الله عزَّ وجلَّ عنه سوءاً يخشاه إلّا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلّا سجد، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلّا سجد"46.
ولذا سُمّي الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام بـ (السجّاد) لكثرة سجوده في جميع المواضع، واتّخذ الله تعالى- كما يقول الإمام الصادق عليه السلام - إبراهيم خليلاً، لكثرة سجوده على الأرض.
وعن الإمام الصادق عليه السلام - أيضاً - قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفر يسير على ناقة له، إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلمّا أن ركب قالوا: يا رسول الله إنا رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، استقبلني جبرائيل عليه السلام فبشّرني ببشارات من الله عزَّ وجلَّ، فسجدت لله شكراً لكلّ بُشرى سجدة"47.
كما أنّه لا يُستحبّ فقط السجود لله شكراً وحمداً عند تجدُّد النعم أو عند دفع البلاء،
منقول بتصرف من دعاء ابي حمزة الثمالي
معنى الشكر:
خير ما قيل في تعريف الشكر: عرفان الإحسان. وقيل: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع. وقال ابن القيم: الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة. [مدارج السالكين (2/ 244)]. وهذا يدل على أن للشكر ثلاثة أركان.
أركان الشكر:
أ- الاعتراف بالنعمة بقلبه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا» [مسلم].
ب- التحدث بها والثناء على المنعم.
قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].
ت- تسخيرها في طاعة مسديها والمنعم بها.
قال تعالى: {اعملوا آل داود شكر} [سبأ: 13]. ومعنى الآية: يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره ولذا قال الشاعر: أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي ثَلاثةً --- يدِي، ولَسَاني، وَالضَّمير المُحَجَّبَا قال أبو عبد الرحمن الحُبلي: "الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر. وأفضل الشكر الحمد" [رواه ابن جرير].
الفرق بين الشكر والحمد:
من وجهين:
الأول:الشكر يكون بالجوارح، والحمد يكون باللسان وبالقلب. ولذلك نسمع بسجود الشكر، ولا نسمع بسجود الحمد، لأن الشكر يكون بالجوارح. ومضى في أركان الشكر أنه يكون بتسخير النعمة في طاعة الله، وهذا عمل، والعمل بالجوارح.
الثاني: الشكر يكون عند البلاء، والحمد يكون على كل حال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته سراء قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإن نزل به بلاء قال: «الحمد لله على كل حال».
كيف نكون من الشاكرين؟
بالتلبس بأركان الشكر التي سبقت إشارة إليها.
بشكر من أسدى معروفاً إليك من الناس
لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» [الترمذي]. وفي سنن أبى داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». وعن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر» [أبو داود]. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء» [الترمذي].
بالتفكر في نعم الله عليك:
قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. قال يونس بن عبيد رحمه الله تعالى لرجل يشكو ضيق حاله: أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. فذكره نعم الله عليه ثم قال له: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة؟
بتقوى الله والعمل بطاعته
قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]. قال ابن إسحاق:"أي: فاتقوني؛ فإنه شكر نعمتي" [السيرة3/113].
بالقناعة والرضا بما قسم الله لك:
قال صلى الله عليه وسلم : «كن قنعا تكن أشكر الناس» [ابن ماجة].
بصلاة الضحى:
فعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» [البخاري ومسلم].
بسجود الشكر:
فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر بشر به خر ساجدا؛ شاكرا لله [أبو داود]. وهذه السجدة لا تشترط لها طهارة، ولا استقبال قبلة. والنعم قسمان: مستمرة، ومتجددة، فالمتجددة يسجد الإنسان لله إذا أُكرم بها. بأن يقول إذا أصبح وأمسى: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر فعن عبد الله بن غنام البياضي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته» [أبو داود].
العافية مع الشكر خير من البلاء مع الصبر:
قال مطرف رحمه الله تعالى: "لأن أعافى فأشكر، أحب إلي من أن أبتلى فأصبر" [مختصر منهاج القاصدين (295)].
«رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري».
منقول بتصرف من ضيد الفوائد
دورة المــشتـاقـيـن إلـى رمــضـــان -16- //♦ الـشّـوق إلــى مـقــام الــشّــكـر